كان يرتجف من الخوف , منذ أن بدأ بالدراسة لذلك الامتحان حتى أحسَّ أنَّه لا جدوى من الدراسة , إلى أن بقي بضع سويعات على موعد الامتحان , فنهض خائفاً , شاحب الوجه , كما لم يكن من قبل , وراح يذاكر معلوماته على عجل وكانت والدته بجانبه تشجِّعه على الدراسة والمثابرة , حتى حين كان يسهر على الامتحانات الأخرى كانت معه دوماً...
في ذلك الصباح القائظ , بدا له كل شيء على غير عادته من شدة خوفه من الامتحان الأخير , واستمر في المذاكرة وهو يتصبب عرقاً , ووالدته تراقبه باهتمام بالغ وتشجعه , مع أن الخوف انتقل إليها أيضاً , وران صمتٌ ثقيلٌ عليهما بعد أن رسم نفسه على وجهيهما , بيد أن قلبه لم يصمت , حتى باتت دقاته مسموعة , دون أن تهدأ أو تخفض من تسارعها.
تحت لهيب أشعة الصباح , التي غمرته وأمه , شعر أن تعبه قد سيذهب سُدَىً , وأنه لن يوفق في الإجابة عن أسئلة الامتحان , فما هذا الخوف الذي احتل صدره , ونشر جنوده في المكان , حتى استطاعوا الوصول إلى أمه المسكينة فانتابها الشعور ذاته؟!.
كان منظره غريباً هذه المرة , فلم يهتم بأناقة ملابسه , حتى شعره كان أشعث , كأنه أمواج تتلاطم هنا وهناك, ولا تستطيع تجميع نفسها كي تصبح أكثر دقةً وترتيباً.
ثم قالت له أمه وقد استعادت شيئاً من شجاعتها: "إنْ بقي الخوف مسيطراً عليك , فربما يتحول إلى حقيقة , لذا يا بني عليك أن تتسلح بالشجاعة , وأن تتذكر أن الخوف للضعفاء فقط , حاول يا بني أ،ْ تكون أكثر شجاعةً كعهدي بك سابقاً , والله معك".
لعل هذه الجمل اندفعت صوب عقله وقلبه , فراح يقلبها وهو يعلم أنَّها صحيحة, لكن على الرغم من تظاهره بتنفيذها , إلا أنَّ شيئاً من الخوف بقي معه. قام فنظر من نافذة المنزل , واستدار من الخلف , لينظر إلى ساعة الحائط , فأدرك أنَّ موعد نزوله قد اقترب , ثم حاول التكلم, فشعر بشيءٍ من جفاف الحلق , فأدركت ذلك والدته, فدعته للجلوس , وانطلقت تحضر له كأساً من العصير الحلو ليشربه قبل الذهاب إلى الامتحان .
أمسكت الأم بالعصارة , وأحضرت ما في البيت المتواضع من فاكهة, وصنعت منها عصيراً سكبته في كأس ٍ وقدمته إلى ولدها. ارتشف رشفةً من كأس العصير , ووقف متأملاً , فأدرك حلاوته العظيمة فشربه دون أن يبقي على قطرة واحدة منه , لأنه أحسَّ بلذته وغرابة طعمه , كما أحس أنَّه ألذ كأس عصير في العالم ؛ فهو لم يذق في حياته مثل هذا العصير , ثم تذكر كلام والدته فأحسَّ بهاجس يدعوه لتطبيقه , ولطرد الخوف من نفسه, وقال بصوت أقرب للهمس :
" الأمُ مدرسةُ إذا أعددتها أعددتَ شعباً طيبَ الأعراق ِ
*********************************************